يد المدن السحرية


قد يحدث لكِ  في هذه المدينة أو في غيرها من تلك المدن التي استنسخت بعضها على مر العصور٬ أن تلفّ خصركِ  بثقة تامة يد سكير شاب٬ تنتشلكِ من تأمل عميق في أحذية الواجهة وتسمعينه يدعوك وبإلحاح دخول المتجر ليهديك "حذاء يليق بقدمك البهية" يا سندرلتي.

وقد يحدث لكَ أن تضعَ بضعة سنتيمات في كوب تحمله امرأة مهترئة لكن أنيقة تجلس على قارعة طريق٬ فتقذف بسنتيماتك أرضاً مزمجرة بشتائم لم تسمع لها مثيلاً٬ فتخاف وتبتعد كأن شيئاً لم يكن.

قد يحدث لك أيضا وانت على بعد خطوات من المقبرة الشهيرة أن تلتقي بسيدة عجوز منهكة تعطيك باقة ورد ملونة وتطلب منك خدمة: أن تبحثي في المقبرة القريبة عن ضريح "فريديريك شوپان" من أجل هذه الورود. تعدينها خيراً وبعد تفتيش مضن تيأسين من العثور على السيد "شوپان"، فتضعين الباقة على أول قبر يصادفك : المهم حسن النوايا.

وقد حدث لك مرة أن مشيتِ  طويلاً في شوارع "أم المدن" بحثاً عن قبر "كافكا" لتضعي عليه علبة آيس كريم٬ ثم خطر لك أن الآيس كريم مضر بصحة النمل فالتهمتِ العلبة وقوفا وبخشوع عند حافة القبر الكافكاوي.

قد يحدث لك في المدينة الوردية أن يُطلب منك وضع يدك في فم الحقيقة "لا بوكا دي لا ڤيريتا" ثم تُسأل سؤالاً يتطلب إجابة صادقة كي لا تعضك أسنان الصدق إن أنت كذبت٬ فتخرج تاركاً يدك بين فكي الفم.



من الممكن أن يحدث لك جندولاً ترتمي فيه مع حبيب خجول في "مدينة المياه" الرومانسية. لن ينتبه الخجول إلى خيبتك بعدما عجز عن تلبية رغبتك  في قبلة حارة لزوم صورة عشق تاريخية .. أليس هذا ما يفعله العشاق في الجندول عادة؟

قد يحدث لك أن تلحق بحب ما الى "اورليانز الجديدة"٬ فتقع في غرامها وتنسى الحب الذي جئت من أجله.  تخزن جازا أبيضا لأيامك السوداء في "فريتزلس جاز" أحد أقدم نواديها.. ثم تلتقط صورا لكل شيء٬ كالمجنون٬ وتغادر. عند تحميض الأفلام تكتشف أن صور ما قبل الرقمي تحترق أحياناً لأسباب تجهلها وتبقى عاجزا عن مسامحة "كاترينا"* حتى نهاية العمر.

قد يحدث لك ان تخرج من مطار مدينة "ملكة المدن" لحظة شروق الشمس. تلتفت  إلى الخلف٬ وآثار نوم تحيط بعينيك٬ثم تصيح بسائق التاكسي: عجّل٬ اركض٬ طير٬ اهرب بنا٬ فالمدينة تزحف علينا. تنفد بريشك وتستاء من الخطل الذي يصيب تجّارها فهم يعتبرون انك تتكلم العبرية بينما انت في الواقع لاتعرف غير العربية لغة  تنطق بها في شوارعها.

قد يحدث لك أن تمر برفقة صديق في الحي الأحمر في مدينة الـ ٤٠٠ قناة مائية والتي لن تسمح بتدخين القنب إلا لسكانها الأصليين.  قد يحدث أن ينبهر صديقك أمام الواجهات التي تعرض بيع نساء من لحم ودم٬ فيختار واحدة٬ يفاوض ثم  يدخل ويخرج بسرعة البرق محبطا. حدث وأن قالت له: لستُ بحاجة الى مواعظ أخلاقية عالريق ثم دفعته خارجاً.


وسيحدث لك مرة على الأقل في حياتك القصيرة في تلك المدينة التي تريد أن تكون كل المدن ونسيت كيف كانت أصلاً فلم يعد بمقدورها أن تشبه نفسها.. :سيحدث لك ولسبب تافه ستنساه لاحقا أن تسمع جملة  مهدِدة 
"ولوك انت عارف مع مين عم تحكي؟"

فتعرف انك في مدينة تعاني من عقدة نقص مزمنة يستحيل الشفاء منها وتفهم ساعتها لماذا قررت في يوم الأيام أن تقطع حبل السرة بينك وبينها وتنسحب.

للمدن أيد سحرية تعجنك وتخبزك كما تشاء هي لا كما تشاء أنت..


* كاترينا: إعصار دمر "نيو أورليانز" عام ألفين وخمسة
Comments or opinions expressed on this blog are those of the individual contributors only, and do not necessarily represent the views of FRANCE 24. The content on this blog is provided on an "as-is" basis. FRANCE 24 is not liable for any damages whatsoever arising out of the content or use of this blog.
1 Comments
مهما طال الأمر نهاياتنا هناك!

Post new comment

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.
  • No HTML tags allowed

More information about formatting options

CAPTCHA
This question is for testing whether you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.